>
وقف القائد الأعلى فى مقدمة جيشه ينظّم صفوفه يـُقدم فى الخط الأوّل رجالاً أولى بأس شديد.. أبطال حملوا أرواحهم فوق الأكف، كما خصّص كتيبة بقيادة المقداد للتنسيق مع الرماة فى صدّ هجوم محتمل قد يقوم به فرسان قريش. تذكّر النبى رؤياه الحزينة. عادت تتمثّل أمامه من جديد. رأى أبقاراً تسر الناظرين.. رآها تذبح فتشحط دماً عبيطاً ورأى فى حدّ سيفه ثلماً.. تجمّعت فى السماء النذر وبدت السيوف بين الغبار بروقاً نزلت الى الأرض وشدّ الصحابى البطل أبو دجانة سماك بن أبى خرشة حول رأسه عصابة الموت.. حمراء كجرح يفور وأدرك الذين رأوه أن الرجل قد اختار الموت لتوهب له الحياة. مبعوث السماء إلى الأرض يبلّغ رسالته: ما أعلم من عمل يقرّبكم إلى الله إلاّ وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقرّبكم إلى النار إلاّ وقد نهيتكم عنه، وانه قد نفث الروح الأمين فى روعى انه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها لا ينقص منه شيء.. المؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر الجسد. وفى العسكر الآخر يلهو الشيطان وفرخه.. تتعالى أصوات الدفوف والطبول تشف عن روح همجية متعطشة لرؤية الدماء... تسكر على صوت طبول الحرب. خرجت خمس عشرة امرأة ينشدن أناشيد الثأر: وكان صوت هند له نبرة نمرة متوثبة: نحن بنات طارق.. نمشى على النمارق.. الدرّ فـى المخانق.. والمسك فى المفارق إن تـقبلوا نـعانق..ونـفرش النمارق..أو تدبروا نفارق.. فراق غير وامق. أحلام عابثة ماجنة تدور فى رؤوس أسكرها الخمر..حلم رجال بليال حمراء.. ليال مليئة بالمتعة، ومنّوا أنفسهم بسبى من يثرب فيهنّ حسان من الأوس و الخزرج. اتّسعت الأحداق وعضّ الرجال على النواجذ وتهيأ الجيشان للقتال.. برهة وتصطك الصفوف.. قبيل اشتعال القتال حاول أبو سفيان أن يوجد شرخًا وتصدعًا فى جبهة المسلمين. فأرسل إلى الأنصار يقول لهم : (خلوا بيننا وبين ابن عمنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتال) فرد عليه وجوه الأنصار رداً قاسياً بما يكره. ولما فشلت المحاولة الأولى لجأت قريش إلى محاولة أخرى عن طريق عميل خائن من أهل المدينة، وهو أبو عامر الراهب، حيث حاول أبو عامر الراهب أن يستزل بعض الأنصار فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومى بعدى شرٌّ، ثم قاتلهم قتالاً شديدًا، ورماهم بالحجارة. وبدأ القتال بخروج حامل لواء الكفر طلحة بن عثمان يتبختر بين الصفوف وطلب المبارزة وقال: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار, ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة, فهل أحد منكم يعجلنى بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفى إلى الجنة؟ فخرج إليه على بن أبى طالب كالإعصار.. وهتف به : والذى نفسى بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفى إلى النار أو يعجلنى بسيفك إلى الجنة, فضربه على فقطع رجله، فوقع على الأرض فانكشفت عورته، فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فكبر رسول الله، وقال لعلى بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ قال: إن ابن عمى ناشدنى الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه.. وعلى الفور بدأت كتائب قريش فى الهجوم. تحركت قوّة من المشاة تساندها كوكبة من الفرسان بقيادة عكرمة بن أبى جهل لتشن هجوماً على ميسرة الجيش الإسلامى لكسرها، ومن ثمّ النفوذ إلى عمق الشعب وضرب المسلمين من الخلف. واشتعلت ارض المعركة.. ولنا عودة لمسرح العمليات العسكرية بصحبة البشير النذير إن كان فى العمر بقاء.