>
لم يحدث فى تاريخ الصحافة المصرية ما حدث مع الجريدة الوليدة «روزاليوسف اليومية» وكانت المرة الأولى والأخيرة التى يجتمع فيها قادة وزعماء حزب الوفد - أكبر الأحزاب قوة وانتشارا وتأثيرا لكى يقرروا فى بيان تاريخى أن هذه الجريدة لا تمثل الوفد فى شىء ولا صلة لها به». وكان الظن وقتها فى الشارع السياسى والصحفى أن «روزاليوسف» المجلة والجريدة قد ماتت إلى الأبد وهو ما لم يحدث فقد وقف إلى جوارها الرأى العام بالدعم والمساندة!! وحسب ما تقول السيدة «فاطمة اليوسف»: أصبح لـ«روزاليوسف» اليومية بعد شهور من صدورها خصوم أقوياء لم يجتمع مثلهم على جريدة فى وقت واحد: الوزارة تحاربها، والقصر يحاربها والإنجليز يحاربونها، وأصحاب الصحف الأخرى يقاومونها، على أنه بقى لها الرأى العام كله تقريبا». وكان «الوفد» فى ذلك الوقت على درجة من القوة يستطيع بها أن يقتل أى جريدة بمجرد إعلانه أنها خرجت عليه، حزب كبير منظم إلى أبعد الحدود وله لجان نشيطة منبثة فى كل قرية وفى كل شارع وبإشارة واحدة من قيادة الوفد كانت هذه اللجان تتحرك وتنهض إلى محاربة «روزاليوسف» بشتى الوسائل. فهم يرسلون إلى الصحف برقيات الاستنكار لموقف «روزاليوسف» وبريقيات التأييد لقرار الوفد المؤيد قراركم وتسقط «روزاليوسف» ويتربصون للجريدة اليومية والمجلة الأسبوعية يخطفونها من الباعة ويمزقونها أو يحرقونها، فإذا رأوا واحدا يسير وقد حملها فى يديه هجموا عليه وتعدوا عليه بالضرب،....، .....،..... ومضت المعركة بين «روزاليوسف» والوفد متصلة العنف بالغة المرارة ولا يكف «العقاد» عن شن الحملات على «مصطفى النحاس» ومكرم عبيد». وتتوالى مقالات العقاد النارية على صفحات «روزاليوسف» اليومية فيكتب «شكر واجب إلى الأمة الساهرة، وفى مقال آخر يقول: «برئت من الوفدية ألف مرة إن كانت هذه هى الوفدية ما علمناها حين أيدناها إلا حرية وكرامة فكيف نفقد حريتنا وكرامتنا لأننا نطلب الحرية والكرامة للناس أجمعين؟! وبعد أيام وفى الثانى من أكتوبر سنة 1935 صدر قرار الوفد بفصل «العقاد» أيضا وجاء فى البيان «بما أن الوفد المصرى فى جلسته الأخيرة التى قرر فيها إقصاء جريدة «روزاليوسف» من حظيرته، قرر فى الوقت نفسه فصل الأستاذ «عباس محمود العقاد» من الهيئة الوفدية ولجان الوفد إذا ما طعن فى الوفد أو فى قراره، وبما أن الأستاذ «عباس محمود العقاد» قد اجترأ فيما نشر من مقالات على الخروج على قرار الوفد وتوجيه أكذب المطاعن وأشدها إمعانا فى الافتراء إلى هيئته الموقرة وبعد أخذ رأى حضرات أعضاء الوفد من جديد، قررنا فصل الأستاذ «عباس محمود العقاد» من الهيئة الوفدية وجميع لجانه المتصلة بالوفد». وعلقت الجريدة على ذلك بقولها إنه استجابة لمطلب إنجليزى ألمحت إليه صحيفة التايمز، والآن يعلم القراء مرة أخرى من أين جاء الغضب على هذه الصحيفة وعلى الأستاذ «العقاد»! وعن تلك المعركة التى عاصرها الدكتور «لويس عوض» وروى تفاصيلها فى مذكراته «أوراق العمر» حيث كتب يقول: «كنت أنا شخصيا قد تمردت على الوفد أيام أزمته مع «عباس محمود العقاد» وطرده عام 1935 بسبب مهادنة النحاس لوزارة توفيق نسيم وهى ما عدها «العقاد» تفريطا فى دستور 1923 وشايعته فيه، وقد بلغ من غضبى أنى قدمت مظاهرة صغيرة من كلية الآداب قوامها نحو عشرين أو ثلاثين طالبا لتأييد العقاد، وخرجت بها إلى مكتبه فى «روزاليوسف» بشارع «محمد سعيد». وهناك أعلنت للعقاد إننا جئنا لنؤيده فى دفاعه المتشدد عن إعادة دستور الأمة، وهتفت بحياة الدستور وبحياة العقاد فردد الطلبة الهتاف ورائى ثم أخذنى الحماس فهتفت بسقوط النحاس، فران صمت قاتل على المجتمعين وهنا تدخل «العقاد» قائلا بصوته العميق المشهور: «لا، بلاش دى»!! وأحسست بالخجل وانصرفنا ولم أندم على هذا الموقف المثالى وإنما ندمت على سوء أدبى فقد كان فى قلبى من الإجلال لهذا الزعيم العظيم مصطفى النحاس ما كان ينبغى أن يوقف النداء بسقوطه فى حلقى كما أوقفه فى حلق زملائى». وللحكاية بقية!!